محاضرة : الشباب والإجازة
سامي بن خالد الحمود
مقدمة :
الحمد لله مدبر الشهور والأعوام .. ومصرف الليالي والأيام .. والصلاة والسلام على سيد الأنام ، وعلى آله الكرام وأصحابه الأئمة الأعلام ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد .
كان الوالدان في ترقب وحذر، وتخوف وأمل .. ينتظران على أحر من الجمر ، ما تؤول إليه نتيجة الأبناء في الامتحانات ، وقد أُبرمت الوعود، وزفت البشائر، بالهدايا القيمة والرحلات الممتعة ، إذا كانت النتائج مرضية مشرفة.
وأعلنت النتائج ، وبدأت الإجازة الصيفية الطويلة ، تلك الإجازة التي ينتظرها ملايين الطلاب والطالبات من أبنائنا وبناتنا ؛ ليستريحوا من عناء السهر والمذاكرة ، والذهاب يومياً إلى المدارس والجامعات والمعاهد .
نعم .. لقد بدأت الإجازة ، والله أعلم بما قضى الله فيها من الأقدار والأخبار .. الله أعلم كم فيها من رحمة تنتظر السعداء !! وكم فيها من بلية ومصيبة تنتظر الأشقياء !! نسأل الله العظيم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين أن يجعل ما وهب لنا من زيادة العمر زيادة لنا في كل خير ، وأن يعصمنا فيها من كل بلاء وشر .
والكلام حول الشباب والإجازة سيكون بإذن الله تعالى في عناصر :
1- الوقت هو الحياة
2- أحوال الشباب في الإجازة
3- مشاريع في الإجازة
4- الشباب والسفر
5- منغصات الإجازة
1) الوقت هو الحياة :
اعلم أن الوقت الذي أنت فيه هو حياتك، إذا عمرته فإنما تعمر حياتك، وإذا قتلته فإنما تقتل نفسك .
ولأهمية الوقت ، فإن الله سبحانه وتعالى أقسم به في أوائل سور كثيرة .
{وَالْعَصْرِ إن الإنسان ...}
{وَالْفَجْرِ } ، {وَالضُّحَى} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، إلى غير ذلك من الآيات .
والله سبحانه يقول : ((فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة .
الوقت هو ثمرة العمر ، فهل ثمارنا طيبة أو خبيثة؟
يقول ابن القيم رحمه الله : ( السنة شجرة، والشهور فروعها، و الأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل ) .
قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم .
وعامر بن عبد قيس – أحد التابعين – قال له رجل مرة : كلّمني . فقال له : أمسك الشمس ! وما ذلك إلا ليشعره بقيمة الوقت .
فماذا عسانا أن نقول بعد هذا ، وفينا من يتفنّن في تضييع الأوقات بتوافه الأمور والأشياء ، بل وبما يُغضب الله .
وههنا سؤال يحتاج إلى إجابة : متى يعرف المفرط قدر الوقت وقيمة العمل فيه؟
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم موقفين عظيمين يندم فيهما الإنسان على ضياع الوقت والحياة ، ويعلم أنه كان مغبوناً خاسراً في حياته .
الموقف الأول : ساعة الاحتضار .. حينما ينزل الموت بالعبد المفرط (فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) .. إنه يريد تأخير الأجل ولو قليلاً من الوقت (إلى أجل قريب) .. إنه يريد فرصة من الوقت ليتدارك حياته بالعمل الصالح .
الموقف الثاني : في يوم القيامة .. حين يقول المفرط في جنب الله حين يرى العذاب (لو أن لي كرة فأكون من المحسنين) .. (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) .
خصائص الوقت :
وإذا أردنا أيها الأحبة أن ندرك أهمية الوقت وخطورته فلنتأمل بعض خصائصه . فمن خصائص الوقت:
1) أن ما مضى منه لا يعود ولا يمكن تعويضه . كما قيل : الوقت كالسيف ، إن لم تقطعه قطعك .
يقول الحسن : ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني لأني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة .
قد تعوض المال .. قد تعوض الأولاد .. أم الوقت فلا يمكن تعويضه.
2) سرعة مروره وانقضائه ، فالوقت يمر مر السحاب ولا سيما بالنسبة للصحيح المعافى من الأمراض والهمومذ، فإنه سرعان ما يمر به الوقت ، كما قيل :
فقصارهن مع الهموم طويلةٌ وطوالهن مع السرور قصار
ومن العجيب ، ما جاء في السنة من أن الوقت يتقارب ويمضي سريعاً في آخر الزمان .
فعن أنس أن النبي قال :"لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار" رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع .
3) أنه محدود بأجل مسمى ، وهذا الأجل مجهول بالنسبة للإنسان ، فأنت لا تدري متى تنقطع أنفاسك ويحل أجلك ، (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .
4) أنه أنفس ما يملكه الإنسان ، وليس كما قيل : الوقت من ذهب ، بل هو أغلى من الذهب .
5) أنه على الرغم من نفاسته وأهميته فإن أكثر الناس مغبونون فيه ، يقول الناطق بالوحي : {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ} [رواه البخاري عن ابن عباس ] .
قال ابن بطال: (كثير من الناس) أي أن الذي يوفق لذلك قليل.اهـ
وإنما يعرف قدر هاتين النعمتين من حرمها .
هل تأملت أخي الشاب ذلك الشاب الذي تعرض لحادث سيارة فأصبح مشلولاً مقعداً طوال حياته لتعلم كم أنت مغبون في صحتك .. وهل تأملت آخرين ممن يعيشون خلف القضبان وبين الجدران في السجون لتعلم كم أنت مغبون في فراغك .
ومن العجيب أنك قد ترى بعض المرضى والمشلولين والمسجونين يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة ، أما الذين أصح الله أجسادهم ، وعافاهم من الأمراض والمشغلات المقلقة ، فإنهم يتسابقون في تضييع الأوقات وقتلها .
أخونا أحمد الشهري شاب مشلول من نزلاء مستشفى النقاهة ، لا يتحرك منه إلا رأسه !! وقد وضع له جهاز مطاطي تحت ذقنه لتحريك كرسيه لليمين أو الشمال ، ومع ذلك فهو يدعو إلى الله ويلقي الكلمات يحضر الدروس ويصلي على الجنائز .. وإذا تحدث لا تمل من حديثه وعلمه ، نسأل الله تعالى أن ينفع به ويبارك فيه .
ومن النماذج المشرقة مل نقله أحد الإخوة عن الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله ، من حرصه العجيب على اتباع الجنائز وزيارة المريض والصدقة .. وربما كان للشيخ كلمة يوم الخميس بجامع الراجحي ، فيلقي الكلمة ، ثم يتبع الجنازة ، ويزور مريضاً ، ويتصدق .. يطبق حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أن رسول الله قال: من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا. قال فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال : أبو بكر: أنا. قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال : أبو بكر: أنا. قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة".
ويضاف إلى هذا الأمر ما عرف عن الشيخ من اشتغاله بالعلم وملازمة الدروس ، والحرص على الفوائد والمسائل ، وقد أدركت دروس شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في أواخر عمره ، فكنت أتعجب عندما أرى الشيخ عبد العزيز الراجحي وقد شابت لحيته يزاحم صغار الطلاب بعد الدرس ليسمع إجابات الشيخ ابن باز وهو يمشي بعد الدرس . فنسأل الله ان يثبت الشيخ ويبارك في عمره .
6) أن هذا الوقت هو محل الحساب يوم القيامة ، وكل إنسان محاسب على أوقات عمره كلها وما يشغلها به من أعمال وأقوال، قال الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) .
روى الترمذي وغيره بسند صحيح عن أبي برزة الأسلمي عن النبي قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيم فعل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه) . وفي رواية (وعن شبابه فيما أبلاه) كما في حديث ابن مسعود عند الترمذي ومعاذ عند البيهقي وغيره .
إذا عرفنا خصائص الوقت وشرفه وأهميته ، فإننا لا بد من استغلال الوقت بالأعمال النافعة في الدنيا والآخرة .
2) أحوال الشباب في الإجازة :
لقد بدأت الإجازة .. فيا ترى ماذا أعددننا لقضائها؟
من المؤسف أن نرى هذا الضياع الذي يعيشه الكثير من الشباب والفتيات في الإجازة .
بل إن كثيراً من المشاكل التي تحدث للشباب والفتيات تأتي في أوقات الإجازة؛ نظراً لوجود هذا الفائض الضخم الفراغ الذي قد يؤدي بالبعض إلى اتخاذ وسائل جديدة وربما سيئة لقضاء الوقت، إضافة لغياب الرقابة عليهم .
في حوارات سريعة مع بعض الطلاب في المرحلة المتوسطة بالمنطقة الشرقية ، حول قضاء الوقت في الإجازة ، كانت النتائج مدعاة للضحك وهي في ذات الوقت تنم عن مأساة يقع فيها أولادنا في الإجازة . ما هو أبرز شيء عملته في الإجازة؟ هذا يقول:
1. في السهر مع الاصدقاء على الكورنيش الى الفجر .
2. الدوران على السيكل من الساعة 8 مساء الى 10 صباحاً.
3. في النوم ولعب السوني .
4. مع أصحابي الأكبر مني سناً بالدوران بالسيارة متنقلاً بين مدن المنطقة الشرقية .
5. الوناسة مع اصحابي وجلسات الغناء والرقص .
6. الذهاب لشاطيء نصف القمر والتفحيط والتطعيس .
وهكذا عند الفتيات .. ففي استبيان أجراه موقع (لها أون لاين) على مائة فتاة تراوحت أعمارهن بين 15 إلى 24 سنة في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعيات حول وجود التخطيط لقضاء الإجازة تبين أن 60% من العينة ليس بذهنهن أي مخطط لقضاء الإجازة الصيفية بينما 40% لديهن مخطط يسعون إلى تنفيذه .
- وبسؤالهن عن كيفية قضاء الإجازة غلبت السلبيةُ على الإجابات.
50% من الإجابات قالت بأنه لا شيء محدد تنوي فعله أو تفكر فيه وهي تعيش أيام الإجازة يوماً بيوم .
30% قالت أنها ستسافر لتستمتع بالإجازة، ومنهن من قالت إنها ستقضي إجازتها في التسوق وأخرى في المناسبات والأفراح .
وبلغت نسبة من رغبن بالالتحاق بدورات علمية أو حاسب أو تعلم الطبخ أو مركز صيفي 10% من العينة فقط .
- أما بالنسبة للنوم في النهار والسهر في الليل أيام الإجازة .
أجابت 46% أنهن يسهرن الليل وينمن بالنهار .
46% قلن: إنهن ينمن بالليل ويجعلن النهار للاستمتاع والزيارات .
13% قلن: أحياناً نسهر الليل وأحياناً ننامه .
ولعل نتيجة هذا الاستبيان تشير بوضوح إلى ضياع ثلاثة أشهر على الأقل من كل سنة من عمر أبنائنا وبناتنا دون الاستفادة منها، هذا إن لم تتسبب هذه الأشهر في ظهور بعض العادات السلبية .
وقد روي عنه أنه قال : ((إن الله يبغض كلَّ جَعْظَريٍ جَوَّاظ ، سَخَّابٍ في الأسواق ، جيفةٍ بالليل ، حمارٍ بالنهار ، عالمٍ بالدنيا جاهلٍ بالآخرة)) . والحديث رواه ابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة وفي سنده كلام ، فقد صححه الألباني في صحيح الجامع ثم رجع عن تصحيحه في السلسلة الضعيفة .
والجعظري هو الفظ الغليظ المتكبر . والجواظ هو الجموع المنوع .
وتأمل في آخر الحديث .. كم من شاب ينطبق عليه هذا الوصف: سخاب في الأسواق (من السَّخَب وهو الضجة ورفع الصوت) ، جيفة بالليل ، حمار بالنهار ، عالم بالدنيا جاهل بالآخرة !!.
اسأل الشباب عن أسماء الفنانين والفنانات والممثلين والممثلات تجد علماً واسعاً بهذه القدوات السيئة وأخبارهم ونشاطاتهم ، وفي المقابل اسألهم عن المسائل الكبار المشهورة في التوحيد أو العبادات الواجبة تجد الجهل الذريع بهذه المسائل .
أخي الشاب .. الإجازة جزء من أعمارنا .. فلا ينبغي أن تكون عطلة من العمل ، ليس المسلم بالعاطل الباطل، بل هو عامل كادح حتى الموت ، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}.
الإجازة يا أخي ليست مضيعة للأوقات ، وليست فرصة للمعاصي والمنكرات ، فما دمنا نأكلُ من رزق الله ، ونمشي على أرضه ، ونستظلُ بسمائه ، ونستنشقُ من هواءه ، فلا ينبغي لنا أن نعصيه طرفة عين .
ذكر ابن قدامة في كتاب التوابين عن يوسف بن الحسين قال : كنت مع " ذي النون المصري " على شاطئ غدير ، فنظرت إلى عقرب عظيمة على شط الغدير واقفة ، فإذا بضفدع قد خرجت من الغدير ، فركبتها العقرب فجعلت الضفدع تسبح حتى عبرت الغدير .
قال ذو النون : إن لهذه العقرب لشأنا ً، فامض بنا نتبعها .
فجعلنا نتبع أثرها ، فإذا رجل نائم سكران ..!! وإذا حية سامة قد جاءت فصعدت من ناحية سرته إلى صدره وهي تطلب أذنه ، فتمكنت العقرب من الحية السامة فضربتها ، فانقلبت الحية وهربت!! ورجعت العقرب إلى الغدير ، فجاءت الضفدع فركبتها فعبرت .
فحرّك ذو النون الرجل النائم ففتح عينيه ، فقال : يا فتى ، انظر مما نجّـاك الله !! هذه العقرب أرسلها الله إليك ، فقتلت هذه الحية التي أرادتك بسوء !! ثم أنشد ذو النون يقول:
يا غافلا ً والجليل يحرسهُ من كل سوء يدب في الظلمِ
كيف تنام العيون عن ملكٍ تأتيـه منـه فـوائـد النعمِ
فنهض الشاب وقال : " إلهي ومولاي : هذا فعلك بمن عصاك !! فكيف رفقك ورحمتك بمن يطيعك ..؟!! "
ثم ولى ذاهبا ً ، فقلت : إلى أين ؟؟ فقال : إلى بيوت الله وإلى طاعة الله !! .
3) مشاريع في الإجازة :
أيها المبارك .. إذا أردت أن تستفيد من الإجازة ، وتكون فيها من الفائزين ، فلا بد من تحقق أمرين :
1) أن تستشعر قيمة الوقت، وأن له شأناً عند الله . وأن هذا الوقت هو رأس مالك؛ فإن ضيعته ضاعت حياتك ، وإن حفظته كنت أحد السابقين المفلحين .
2) لا بد من التخطيط والتنظيم والبعد عن الفوضى في استغلال الوقت .
من الصعب أن يترك الإنسان نفسه كريشة في مهب الريح، أينما تأخذه الرياح يمضي؛ لابد من تخطيط في استثمار الوقت واستغلاله .
بالتخطيط والتنظيم يمكن أن نحول الإجازة إلى فترة إيجابية في حياتنا نجني منها الأجر والفائدة وبناء النفس من جهة ، ونجد فيها المتعة والترويح عن النفس من جهة أخرى .
ولعلي أطرح بعض المشاريع التي يمكن أن نقوم بها في الإجازة ، وهذه المشاريع متنوعة يمكن للشاب أن يختار ما يناسبه من هذه المشاريع ، بحسب عمره ، أو مستواه العلمي ، أو درجة تدينه ، أو محل إقامته ، ونحو ذلك من المتغيرات .
1. المشاريع التعبدية : فنحن يمكن أن نجعل من الإجازة فرصة للتزود بالتقوى والعمل الصالح . مثل : أداء العمرة وقضاء بعض الأيام الإيمانية بجوار الحرمين الشريفين .. الاجتهاد في تلاوة القرآن الكريم ، وقيام الليل ، وغير ذلك من أنواع العبادة .
2. المشاريع العلمية : كحفظ القرآن الكريم ، وحفظ السنة ، وحفظ المتون ، وحضور دروس المشايخ ، وحضور المحاضرات والندوات ، وحضور الدورات العلمية ، ودورات تجهيز الجنائز ، وإعداد البحوث ، وسماع الأشرطة ، وتلخيص الكتب والأشرطة ، وغير ذلك من المشاريع العلمية .
هذا الأمر وهو طلب العلم الشرعي هو أولى ما شغلت به الإجازات ، وهو أعظم ما تـُعبـِّدَ اللهُ به .. ووالله ما وقع بعض شباب الأمة في الفتن إلا بضياع العلم المؤصل ، المؤسس على الكتاب والسنة .
3. المشاريع المعرفية المهاراتية : والتي تهدف إلى بناء النفس وتطوير الذات:
أبناؤنا وبناتنا بحاجة إلى اكتساب مهارات أساسية هي من أعظم أسباب النجاح في الحياة العملية ، مثل : القراءة السريعة - الكتابة السريعة – البحث والتعامل مع المراجع - فهرسة المعلومات - النسخ على الآلة الكاتبة أو الحاسب - تصنيف المكتبات- ترتيب الأفكار وإعداد التقارير - العلاقات العامة – الخطابة والإلقاء - تشغيل الحاسب الآلي – استخدام برامج الحاسب الآلي ، وغيرها .
هذه المعارف والمهارات مهمة جداً في بناء الشاب .
خذ على سبيل المثال : القراءة .. من المؤسف أننا لا نقرأ ولا نشجع إخواننا وأبناءنا على القراءة والاطلاع .
في استبيان أجرته إحدى الصحف المحلية اتضح أن 90% من المواطنين لا يرون أن هناك تشجيعا لارتياد المكتبات العامة ، بل إن الغالبية منهم يجهل موقع المكتبة العامة في مدينته .
الكثير من أطفالنا لا يقرأون .. عقولهم متبلدة ، ورؤوسهم خاوية كالكرة .
نعم .. هناك بعض النشاطات القليلة المشكورة في بعض المؤسسات التعليمية أو الأهلية كمسابقات القراءة ومعارض الكتاب .
وقد زرت قبل أشهر معرض الكتاب للطفل بالرياض ، ورأيت فيه من إقبال الأسر والأطفال على الكتب والوسائل التعليمية ما يفرح ولله الحمد ، وهو جزء مما يجب علينا تجاه أبنائنا وبناتنا .
4. مشاريع دعوية : جولات دعوية للقرى خارج المدينة .. نشاطات دعوية في الأسواق والمتاجر والأرصفة وتجمعات الشباب.
هؤلاء الشباب الذين يجلسون على الأرصفة أو الطرق وقد يوجد معهم بعض المنكرات كالشيشة أو الموسيقى أو الآلات الموسيقية ، من حقهم علينا أن نمر عليهم مرور الكرام دون تنفير أو إثقال ، ونهدي لهم الكلمة الطيبة ، والمطوية الجميلة ، والشريط المؤثر .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : (هذا العصر عصر الرفق والصبر والحكمة ،وليس عصر الشدّة .. الناس أكثرهم في جهل ، في غفلة وإيثار للدنيا ، فلا بدّ من الصبر ، ولا بدّ من الرفق ؛حتى تصل الدعوة ، وحتى يبلّغ الناس ، وحتى يعلموا ، نسأل الله للجميع الهداية) . اهـ مجموع فتاوى ابن باز 8/376 ، 10/91
ولا شك أن شبابنا فيهم خير كثير بحمد الله .. وقد قام مجموعة من الأخوة قاموا بعمل استبيان حول من يجلسون في الطرقات وعلى الأرصفة واتضح أن 70% من الشباب يحبون الشباب المتدينين ، وقال 10% منهم إنهم يحبون بعض الشباب المتدينين ، وقال10% لا يحبون الشباب المتدينين لسبب أو لآخر .
وقد سئل كثير من الشباب هل تحب أن تكون متدينا ؟ فكانت النسبة 5ر99% يرغبون أن يكونوا متدينين .
5. مشاريع النشاط الجماعي : كالمراكز الصيفية ، والمخيمات الدعوية والتربوية ، والمخيمات البحرية ، والرحلات الطويلة أوالقصيرة ، مع العائلة أو مع الأقارب ، مع المركز ، مع الزملاء.
وهذه المشاريع تسهم في بناء شخصية المشارك ، واكتسابِه مهارات التواصل مع الآخرين ، والقدرة على التحمل ، والتكيف مع الظروف المتغيرة .
6. مشاريع إغاثية : كالمشاركة في الجمعيات الخيرية ، والقيام على الفقراء والمساكين ، وجمع ما يحتاجونه وتوزيعه عليهم .
7. مشاريع تجارية ووظيفية : كالتجارة الصغيرة في سوق الخضار أو عند المساجد ، وكالوظائف المؤقتة في الشركات والمتاجر أو في الجهات الخيرية والدعوية .
8. الزيارات : كزيارة المكتبات ، والمعارض ، وصالات الألعاب ، وحدائق الحيوانات ، والمشاريع الخيرية ، والمشاريع الدعوية ، والمستشفيات ، ودور المعاقين ، وغيرها.
9. المشاريع المهنية : كتعلم مهنة في المصانع ، أو مراكز التدريب المهنية: كهرباء ، الكترونيات ، سباكة ، تبريد ، نجارة ، وغيرها من المهن .
10. الألعاب الرياضية المفيدة : كالدفاع عن النفس ، والسباحة والغوص ، وتعلم الفروسية ، وغيرها من الرياضات المفيدة للجسم .
والرياضة أمر مطلوب في حياة الشاب ، بشرط أن لا تفوّت واجباً ولا تضيع حقاً ولا تشتمل على أمر محرم ولا تكون غاية تستنوف حياة الشاب .
وقد سابق النبي عائشة ، وحث على تعلم الرمي ، وسابق بين الخيل في المدينة .
ومن لطائف ما روي عن الإمام البخاري ما نقله عنه محمد بن أبي حاتم ، قال: ((كان يركب إلى الرمي كثيراً ، فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمُه الهدفَ إلا مرتين ، وكان لا يُسبَق)) .
4) الشباب والسفر :
أخي الشاب .. إلى أين تسافر ؟ وهل تعود من سفرك مأجوراً ، أو تعود مأزوراً ، أو تعود سالماً لا لك ولا عليك.
هذا التفصيل يجرنا إلى الحديث عن أنواع السفر .
السفر أنواع ، منه الواجب والمستحب والمباح والمحرم والمكروه .
فمن السفر المشروع : السفر لطلب العلم النافع .
وقد ألف أهل العلم وصنفوا في الرحلة في طلب العلم ، وجمع ميراث محمد . ورحل جابر بن عبد الله الصحابي الجليل، من المدينة مسيرة شهر في حديث عن رسول الله بلغه عن عبد الله بن أُنيس، حتى سمعه عنه .
قال الإمام الشعبي: لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً.
ولهذا لما سئل الشعبي عن هذا العلم الغزير الذي وهبه الله ، من أين لك هذا العلم؟ قال : بنفي الاعتماد ، والسير في البلاد (يعني السفر في طلب العلم) ،وصبر كالجماد ، وبكور كبكور الغراب .
من السنن الحسنة التي انتشرت في بلادنا المباركة سنة الدورات العلمية المكثفة التي تعقد في كثير من المدن ، ويسافر إليها الشباب من شتى الأماكن ليتلقوا مفاتيح العلوم ، والتأصيل العلمي في فنون العلم . فعلى الشاب أن يختار من هذه الدورات أو من مواد كل دورة ما يناسب مستواه العلمي ، ثم بعد ذلك يحرص على الاستفادة وجمع الفوائد ومراجعة العلم ، مع التأدب بآداب مجالس العلم . والتي ذكرها العلماء في كتب فضل العلم وآداب العالم والمتعلم ، وطرق الاستفادة من الشيوخ ، ومن الكتب المعاصرة النافعة كتاب (معالم في طريق طلب العلم) للشيخ عبد العزيز السدحان وفقه الله فهو كتاب مفيد مليء بالفوائد والتجارب في تلقي العلم وتحصيله والتأدب بآدابه .
ومن السفر المشروع أيضاً السفر إلى بيت الله الحرام أو مدينة الرسول ، أولصلة الرحم وزيارة الأقارب ، فيرجع الشاب إن رجع من سفره مثاباً مأجوراً ، وإن مات مات على عمل صالح.
وتأملوا معي قصة هذا الشاب الذي خرج مع إخوانه لأداء العمرة .. وعندما وصلوا إلى مكة دخلوا المسجد الحرام ، وهم بلباس الإحرام ، كانوا مسافرين فقالوا : لعلنا نصلي أولاً ثم نؤدي العمرة ، صفوا للصلاة ، وتقدم الشاب يصلي بهم ، وبدأ يقرأ القرآن ، (والضحى والليل إذا سجى ، ما ودعك ربك وما قلى ، وللآخرة خير لك من الأولى ، ثم قال: ولسوف يعطيك ربك فترضى ، فتوقف لسانه ، ثم توقفت أنفاسه ، وخر بين يدي ربه ميتاً ، محرماً مصلياً قارئاً للقرآن . وسوف يرضى بإذن الله تعالى .
ومن أنواع السفر : السفر المباح : كالسفر للترويح البريء وإجمام النفس وهذا مباح في الأصل ، وقد يتحول إلى عبادة مستحبة كأن يكون عوناً للإنسان على الطاعة ، أو توسعة على الأهل والأولاد وإدخالاً للسرور عليهم في حدود الاعتدال .
ومن أنواع السفر : السفر المحرم ،كالسفر لبلاد الكفر بلا ضرورة ، وقد ذكر أهل العلم شروطاً ثلاثة لجواز السفر إلى بلاد غير المسلمين، أولها: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات، ثانيها: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات، ثالثها: وجود الحاجة للسفر كالعلاج أو الدعوة إلى الله أو تعلم علم ينفع المسلمين أو للتجارة، وكل ذلك مشروط بأن يكون مظهراً لدينه، عالماً بما أوجب الله عليه، قوي الإيمان بالله، قادراً على إقامة شعائره، ولديه من العلم والتقوى ما يحول بينه وبين التأثر بالشبه والشهوات .
ومن السفر المحرم أيضاً: السفر لبعض البلدان الفاسدة ، وقضاء الأوقات فيها على المحرمات.
يتهافت الشباب على وكالات السفر ليسافروا إلى تلك البلدان ، بل وحتى بعض كبار السن لم يسلموا من هذه المنكرات .
فهذا شيخ قد جاوز عمره الستين سنة ، سافر من هذه البلاد إلى إحدى البلدان المعروفة ليتعاطى الخمور ويقع في أحضان المومسات -عافاني الله وإياكم- فشرب في اليوم الأول ست زجاجات من الخمر، وشرب في اليوم التالي أكثر من ذلك، وشرب في اليوم الثالث اثنتي عشرة زجاجة؛ وبينما هو جالس مع أصحابه شعر بنوع من الغثيان ، فذهب ليتقيأ (أكرمكم الله) في دورة المياه . انتظره أصحابه طويلاً ثم ذهبوا إليه ليجدوه ميتاً ورأسه في محل قضاء الحاجة عافانا الله و إياكم من ذلك .
تحولت السياحة في عرف الكثير من الشباب إلى صياعة .. تحرر من الواجبات .. وارتكاب للمحرمات ، وتعاطي للمسكرات والمخدرات ، وسهرات مع النساء العاهرات .. يسافرون عبر بوابات المطار ، فيعودون عبر بوابات الإيدز والمخدرات ، بل قد يعود بعضهم وقد انسلخ من عقيدته ، وتمرد على دينه وأهله.
أخي الكريم .. يا من أعد العدة للسفر الحرام ، اسأل نفسك وأنت تدعو دعاء السفر : اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى .
هل تريد حقاً بهذا السفر البر والتقوى .
وإذا عدت إلى بلادك بعد سفرك وأنت تقول: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ، فاسأل نفسك: أزاد إيمانك في سفرك هذا أم لا؟ أيسوؤك أن يعلم الناس ما الذي صنعته خلال سفرك أم لا؟.
هل بلغك خبر ذاك الشاب الذي ابتعد عن أهله فقلت غيرته واختلى بالمعاصي فمات بين يدي عاهرة؟ وهل سمعت بخبر من مات وقد ملأ بطنه بالشراب المحرم؟ أو ما علمت بوباء الإيدز والأمراض الجنسية التي فتكت بالملايين ممن ولغوا في المحرمات .
ومن المؤسف أن إحصائيات الإيدز في العالم لا زالت في ازدياد ، بما في ذلك الدول العربية والخليجية .
إنهم صرعى الشهوات الذين شغلتهم لذة الشهوة المحرمة عن تأمل عواقبها وعقابها .. مثلهم كما يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر كمثل الكلب .
يقول ابن الجوزي : إن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع ، غيّر اسمي فإنه قبيح . فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم . قال: فجربني ، فأعطاه شقة لحم ، وقال: احفظ لي هذه إلى غد وأنا أغيّر اسمك . فجاع وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر . فلما غلبته نفسه قال: وأي شيء باسمي وما كلب إلا أحسن اسم ، فأكل.
وهكذا الخسيس الهمة ، القنوع بأقل المنازل ، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل ، فالله الله في حريق الهوى إذا ثار ، وانظر كيف تطفئه . اهـ
كيف يكون السفر مباركاً :
القاعدة النبوية بإيجاز هي
اتق الله حيثما كنت) .. كما عند الترمذي عن أبي ذر ، وهذا من جوامع الكلم .
تقوى الله تعني : المحافظة على أوامر الله ، واجتناب نواهيه .
تقوى الله ليست محددة بزمان ولا مكان ، وأنت عبد لله في جميع الأحوال .
ولا يليق بالعبد أن يعطي نفسه إجازة دينية في السفر ، والله يقول (وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ) .
مهمة الإنسان في هذه الحياة عبادة الله ، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).
المسلم الحق ثابت على مبادئه، معتز بدينه وعقيدته، في كل زمان ومكان ، فمحياه كله لله، وأعماله جميعها لمولاه، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ) .
وعلينا أن نتذكر قبل أن نسافر ، أننا كلنا مسافرون ، مسافرون في حياتنا وسائرون إلى الله.
كل إنسان في هذه الحياة مسافر إلى ربه كما يقول ابن القيم فمن الناس من يحط رحله في الجنة ومنهم من يحط رحله في النار ، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور .
إنه السفر الذي لا بد له من التزود ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)
تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد
5) منغصات الإجازة :
وكما أن للإجازة فوائد ومشاريع وثمرات ، فإن لها منغصات ومكدرات .
ولعلي أذكر بعض المنغصات التي يقع فيها الشباب في الإجازة الصيفية ، وهذه المنغصات على قسمين :
أ- منغصات محرمة في الأصل .
ب- منغصات مباحة في الأصل ، ولكن قد يقترن بها أو يطرأ عليها ما ينقلها من الحلِّ إلى الحرمةِ أو الكراهة .
أ - المنغصات المحرمة :
1) السفر إلى بلاد الكفار :
فمن المعلوم أن الأصل في السفر إلى بلاد الكفار محرم .
فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أنا بريء من كلِّ مسلمٍ يُقيمُ بين أظهُرِ المشركين "
ويستثنى من ذلك ما دعت إليه الحاجة كطلب علم دنيوي أو طب أو تجارة لا توجد إلا عندهم أو لدعوتهم إلى الإسلام ونشره بينهم .
ولا شك ان السفر لبلاد الكفر له مفاسد كثيرة .. كم من مآسٍ رجع بها جمع من المسافرين من ديارهم بلغت ببعضهم إلى درجة الردة عن الدين والكفر بربِّ العالمين !
وكم عاد آخرون بالأمراض الفتاكة والأوبئة المهلكة أو بالإدمان على الخمور والمخدرات أو بالهزيمة النفسية والتردي المعنوي والكره للإسلام وأهله ودياره !
2) ضياع الصلوات :
قال تعالى :[ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيَّا * إلا من تاب ...] .
والإجازة يفترض أن تكون من أعظم أسباب الحرص على الصلوات والمحافظة عليها في بيوت الله كما أمر الله ، لتفرغ العبد عمَّا يشغله عنها ، فكيف تصبح الإجازة سبباً من أسباب تضييعها والتفريط فيها؟!
ترى بعض الشباب يضيع صلاته لانشغاله بالتفاهات كمتابعة المباريات أو الأفلام والمسلسلات أو لكثرة النوم والجلسات ، وغير ذلك مما يندى له الجبين وينقطع له حبل الوتين .
وقد ثبت عنه في البخاري أنه قال: "مَن تركَ صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه" .. فكيف بمن يضيع الصلاة تلو الصلاة .
كيف يصل إلى السعادة من هجر محراب العبادة ؟! .. وكيف يتمتع بالإجازة من قطع صلته بالله سبحانه؟!
3) الترفيه المحرم :
يكثر الناس في الإجازة الصيفية من ألعاب التسلية والترفيه ، ولا شك أن الترويح عن النفس وإجمامها ببعض المباحات أمر مطلوب .
لكن هذا الأمر قد يتحول إلى منغص وأمر سلبي ، من وجهين :
أ- أن هذه الألعاب قد تستغرق الوقت آناء الليل وأطراف النهار ، وهذا من العبث الذي يضيع الأوقات ويهدر الطاقات .
ولهذا لا بد من ضبط الوقت وإعطاء كل أمر حقه .
ب- اشتمال بعض الألعاب على محظورات شرعية ، كالشطرنج ، أو القمار ، أو الموسيقى ، والصور المحرمة بل الخليعة كما في بعض ألعاب البلاي ستيشن ، وغيرها من المحظورات .
4) متابعة المسلسلات والأفلام والقنوات الفضائية :
إنها صورة محزنة لمن مضى عمره هباءً ، وهو ينظر إلى المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية المليئة بالمنكرات من صور بعض الرجال العصاة والنساء الفاسقات في أوضاع مزرية وصورة مخزية ومناظر مشينة ، يلين لها الحديد ، وتذوب بها الجلاميد ، ويتابعها المحروم في كلِّ يوم ، متغافلاً عن آثارها السيئة وثمارها المرَّة .
عجباً لمن يرى الفتنة أمامه ، فيلقي فيها أقدامه ! .
وقد روى عمران بن حصين أن رسول الله قال :" في هذهِ الأمَّةِ خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ " فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله! ومتى ذلك ؟ . قال :" إذا ظَهرتِ القيانُ والمعازفُ وشُربتِ الخُمُور " رواه الترمذي وصححه الألباني . والقيان جمع قينة وهي المغنية من الإماء .
كيف لو رأى عليه الصلاة والسلام مغنيات الفيديو كليب ، وفنانات أفلام السهرة ، والأفلام المدبلجة ، وغيرها من البرامج السيئة .
لقد قادت الفضائيات الكثير من شبابنا وبناتنا إلى مسالك غير سوية.
فحدث عن شرخ التوحيد وتضليل الفكر والتلبيس على عقائد المسلمين .. وحدث عن الفجور وتأجيج الشهوات ، وتحريك الغرائز وظهور السافرات المتبرجات في التمثيليات والأفلام ونشرات الأخبار ، وإفساد الأزواج والزوجات والأبناء والبنات .. وحدث عن العنف وتعليم الجريمة والسرقة والمخدرات .
في تحقيق مع بعض المدمنات في الرياض قالت إحداهن: "رأيت فتيات يشربن كثيرا في الأفلام الأجنبية فحاولت التجربة" .
وتقول أخرى: "أشاهد الأفلام الأجنبية الجديدة وعندما أرى الأمريكيين يشربون ويضحكون أحس بأنهم هم الأشخاص الذين يعيشون حياة حقيقية "! .
أيها الأحبة .. ماذا نتوقع من أبناء مراهقين وفتيات مراهقات يتسمرون طوال اليوم أمام طبق قيمته 400 ريال في الملاحق والاستراحات يضع بين أيديهم أكثر من 300 قناة ، تعرض الخزي والعار في بيوت المسلمين .
5) الذهاب إلى المقاهي لشرب المحرمات :
فبعض الشباب تمضي عليه الساعات الطويلة وهو جالس في هذه المقاهي والملاهي مع غيره من الشباب يلعبون البلوت ، ويشربون الشيشة أوالمعسل ، إن نظروا نظروا إلى المحرمات في القنوات ، وإن استمعوا استمعوا المعازف المحرمة والكلمات الآثمة ، وإن تكلموا تكلموا في الغالب فيما لا ينفع ولا يرفع ، ويضر ولا يسر .
6) الذهاب للأماكن المحرمة كالحفلات الغنائية وأماكن الاختلاط :
بعض الحفلات الصيفية يكون فيها شيء من المنكرات والمخالفات الشرعية ، كسماع المعازف المحرمة ، والأغاني الماجنة ، أو اختلاط الرجال بالنساء .
وهذه الحفلات والأماكن يحرم على العبد المسلم أن يحضرها أو يشارك في إقامتها أو الدعوة إليها ، لأنها من مجالس الحرام كما أفتى بذلك أهل العلم .
7) مجالس الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء :
فقد يجلس بعض الشباب المجالس الطويلة يأكلون في لحوم الناس بالغيبة والنميمة ، والسخرية والاستهزاء ، واللعن والطعن ، والهمز واللمز ، والفحش والتفحش ، والقذف والعيب ، والرجم بالغيب ، وغيرها من آفات اللسان مما يغضب الرحيم الرحمن .
ب - المنغصات المباحة الأصل وطرأ عليها التحريم :
بعض المخالفات التي يقع فيها بعض الناس وهم يظنون أنها ليست كذلك لأن أصلها الجواز .
1) السفر إلى البلاد المسلمة التي يكثر فيها الفساد :
وكأنما السفر سبب من أسباب التفلُّت على أوامر الله ، وموسم من مواسم انتهاك حدود الله ، كالتفريط في الحجاب ، وتضييع الصلوات ، وحضور أماكن الرقص والفجور ، ومواطن الخلاعة والخنى والفواحش والزنى .
2) النوم الكثير بالنهار :
النوم مطلوب ، لكن المبالغة فيه تخرجه عن غايته والحكمة التي خلق من أجلها ، فيكون من أسباب الخسارة في الدنيا والآخرة .
وقد ابتلي بعض الناس بحب النوم والإكثار منه ، فجعل الإجازة الصيفية كالبيات الشتوي .
وكثيراً ما يترتب على كثرة النوم ضياع الصلوات ، والتفريط في الواجبات ، والتفلت من الأعمال والالتزامات .
3) السهر الطويل بالليل :
تحوَّل بعض الناس إلى ما يشبه الخفَّاش الذي يظهر في الليل ويختفي في النهار ، فليله سهر طويل ، ويومه نوم عميق ، فيسهر على لهوه وغفلته ، وربما على معاصيه وآثامه ، حتى إذا دنا الفجر ، أقبل الشيطان على رأسه فثقّله ، وإلى جسده فكسَّله ، فأصبح يترنح ذات اليمين وذات الشمال ، وغلب عليه النوم ، واحتواه الكسل ، وقال له عدو الله : ارقد ، فإن عليك ليلٌ طويل !! ثم تكون صلاة الفجر أولى الضحايا .
4) التسكع في الأسواق :
لقد أصبحت الأسواق ـ وهي أبغض البقاع إلى الله ـ أفضل الميادين عند بعض الغافلين ليقتلوا فيها الوقت الثمين ، ويهدروا فيها العمر الغالي ، ويعرضوا أنفسهم لما لا قِبل لهم به من البلايا والرزايا .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها " رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم أن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال:" لا تكوننَّ إن استطعت أوَّل من يدخل السُّوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنَّها معركة الشيطان ، وبها ينصب رايته".
5) عالم الإنترنت :
مع ثورة المعلومات والاتصالات رأينا من يتفنن في تضييع وقته الثمين ، ويبدع في إهداره ، كحال أولئك الذين يمضون الساعات الطوال ، وهم عاكفون على الشبكة العنكبوتية [الإنترنت] وهم يتقلَّبون بين الصفحات والمواقع ، وقد يدفعهم الفضول إلى اختراق الممنوع ، والبحث عن كلِّ مثير أو محظور ، فيقعون في شراك هذه الشبكة المليئة بفتن الشبهات والشهوات .
وفي الآونة الأخيرة ظهر ما يسمى الحب الإلكتروني أو الحب عبر الإنترنت هو تلك العلاقات التي تقوم بين طرفين يتصلان ويتواصلان عبر الشبكة العنكبوتية، ويتبادلان المشاعر والعواطف على الشات المكتوب أو الصوتي .
ولعلي أطرح بعض مآسي هذه القضية :
فهذه الأم س . س من إحدى دول الخليج تشكو وتقول : ألزمت ابنتي بالحجاب في سن12، وأطاعاني برضا، وكانت العلاقة بيننا كلها ود واحترام ومصارحة، ولما بلغتا سن الخامسة عشرة والسابعة عشرة تغيرت طباعهما، ورفضتا الحجاب ، وأصبحتا تناقشاني بسوء أدب .
ثم اكتشفت من خلال مراقبتي لهما أنهما تتحدثان في الشات مع بعض الشباب، وعندما قررت أن أكون معهما أثناء جلوسهما على الانترنت؛ غضبتا علي وقاطعتاني لمدة أسبوعين .
وشاب متزوج يقول : أنا شاب في بداية الثلاثينات من عمري، متزوج منذ 8 سنوات، في بداية حياتي الزوجية كنت مضرب المثل في العفة وغض البصر، لكن مع الأسف الشديد في السنوات الثلاث الأخيرة اتخذت اتجاها آخر؛ حيث بدأت أنظر إلى الفواحش في التلفاز وعبر الإنترنت وأصبحت الآن مدمنا، وحاولت جاهدا أن أتخلى لكن هيهات .. لم أرتكب فاحشة الزنى، لكني أشاهد بالعين وأتصل عبر الشات، وكم من مرة أخرج من بيتي للقاء إحداهن وأتراجع في آخر لحظة وأندم عن اللقاء، ثم أعود .
ومشرف في أحد المنتديات يقول: أنا مشرف بأحد المنتديات على النت، وأحببت مشرفة معي، أكلمها كثيرا على الماسنجر، وأستمتع بالحديث معها، وأترك كل شيء إلا هي، وأنتظرها لأوقات طويلة، وهى أيضا تنتظرني، ولكني لم أرها مطلقا .
وامرأة أخرى تكتشف أن زوجها كبير السن الذي يعمل معلماً بإحدى المدارس يحادث بعض الفتيات عن طريق الماسنجر .
هذه بعض المآسي ، وهي مؤشر خطر لتدارك الأمر ، وضبط استخدام شبكة الانترنت فيما ينفع دون ما يضر بالفرد والأسرة والمجتمع .
من آداب الدخول على مواقع ومنتديات الانترنت :
1. اختيار المواقع السليمة والمفيدة ،وعدم تجاوز الساحات المفيدة المعينة على الخير إلى غيرها.
2. الحذر من إضاعة الأوقات ؛ فإن عدداً من الناس يستزف معظم وقته في التصفح أو ساحات الحوار .
3. أن يتحلى المشارك في المواقع والمنتديات الإخلاص لله ، والبعد عن حب الثناء أو الإعجاب بالنفس ، أو الانتصار الشخصي .
4. لا بد أن يدرك الداخل إلى ساحات الحوار أنه يتعامل مع شخصيات كثيرة مجهولة ، ومن المعلوم عند أهل العلم أن المجهول لا يمكن أن يوثّق حديثه ، فكن على حذر من أخبار المجاهيل .
5. الحذر من الفتوى بغير علم ، وخوض الشاب فيما لا يحسنه ، فقد قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) ، وقال سبحانه: ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) .
6. التزام الأدب الشَّرعي في المحادثة أو الرد أو النقد ، وعفّة اللسان حتى مع المخالف ، ولله كم من فكرة نبيلة رد الناس عن قبولها سوء أدب حاملها ، وفضاضة خلقه ، وصدق الله (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) .
7. الالتزام بعدم المحادثة مع الجنس الآخر لأن الغالب أن يكون ذلك مثيراً لكوامن النفس وإثارة الغرائز والشهوة ، وربما أدى ذلك إلى الفتنة والمفسدة .
8. عدم الدخول في الغرف المريضة البعيدة عن الأخلاق والقيم الاسلامية ، مثل الغرف الإباحية التي تثير الفاحشة والرذيلة ، وتفسد الشباب عن طريق الشذوذ والانحراف الجنسي .
9. الابتعاد عن المواقع التي تبث السموم في أفكار الشباب وتزعزع عقيدتهم ، مثل مواقع أهل البدع والفرق المنحرفة ، أو مواقع التنصير . ولا يجوز الدخول على هذه المواقع بدافع حب الاستطلاع ، أو الدخول معهم في المناقشة بدون علم .
10. التحلي بالحكمة في إنكار المنكر، ويجب أن لا يُستدرج المسلم إلى فخّ الدّعاية والإعلان لمواقع تعادي الإسلام فيروّجها - عن غير قصد - بين المسلمين فيكون الأثر عكسياً عليهم .
وختاماً .. أسأل الله تعالى أن يبارك لنا في أوقاتنا ، وأن يجعل خير أعمارنا أواخرها ، وخير أعمالنا خواتمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه .. وأن يصلح لنا النيات ، والأزواج والذريات ، وأن يجعلهم قرة أعين في الحياة وبعد الممات ، ويجعلنا للمتقين إماماً .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .